يعيش معظم الناس مقيدين وسط دائرة من الهموم والمشاكل , تتسع يوما بعد يوم ؛ حتى تلتهم سكينة نفوسهم وتبدد هدوء بالهم , وهي تتضخم بشكل مروع في بعض الأحايين حتى يغدو القلق قرين نبض القلب , ثم تجدهم _ دون أن يشعروا_ يفقدون كل شعور بالراحة والمتعة ؛ حينها تتحول الحياة لدى هؤلاء إلى عبء ثقيل , يتمنون الخلاص منه بأيّة وسيلة !
هذه الدائرة موجودة في حياة كل البشر , وهي لازمة من لوازم العيش , لأن الإنسان في جميع مراحل حياته , وعلى كافة مستوياتها لا يخلو من أمور تهمه ؛ لكن الفارق بين السعداء والأشقياء يكمن في حجم هذه الدائرة والتي تسمى ” دائرة الاهتمام ” , وأيضا يكمن الفرق في طريقة تعاطيهم معها .
اهتمام غير مطلوب :
” ستيفن كوفي ” هو من أبرز المصلحين الاجتماعيين الذي تناولوا موضوع دائرة الاهتمام في كتابه الشهير ” العادات السبع للأسر الأكثر فعالية ” وقد بين مدى الفارق الذي يحدث في حياة الإنسان حينما يقلص حجم هذه الدائرة في مقابل توسيع دائرة أخرى تتواجد داخل هذه الدائرة وقد سماها ” دائرة التأثير ” .
وفي ديننا الجميل ورد الأثر المشهور ” من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ” !
فما هي يا ترى نوعية الاهتمام المطلوب عقلا وشرعا ؟!
إنه الاهتمام الذي ينتج عنه فاعلية تحدث أثرا إيجابيا في الحياة .
النموذج السلبي :
يمكن لأي فرد منا أن يمضي الساعات الطويلة وهو يتأسى لحاله ويجتر آلام عمره , وهو قد يوسع دائرة الاهتمام ؛ فيضم إليها أسرته وأصدقائه , بل وكل مقهور على هذه الأرض , قد يحزن طويلا , ثم يغضب , ثم يسخط , ويمتلأ وجدانه بمزيج من المشاعر السلبية حيال كل فساد وتشوه يراه أو يسمع عنه في هذه الحياة ؛ فهل سيحدث ذلك فرقا على أرض الواقع , وهل هذا النوع من الاهتمام سيجعل حياته أفضل , أو هل سيمنحه طاقة خلاقة تجعله يؤثر إيجابيا في واقعه السيئ ؟!
قطعا لا ..
هذه هي دائرة الاهتمام الغير مطلوب في منطق العقل ومنهج الشرع ؛ فهو فوق كونه يطحن النفس بين رحى كدر وقلق نجده يتعاظم يوما بعد يوم فيضيق من مساحة دائرة التأثير المطلوب .
الوعي هو البداية لاتساع دائرة التأثير :
على كل إنسان أن يعي أين يقف بمقابل أحداث الحياة ومتغيراتها , وأين يتخندق في مواجهة الأزمات التي تعصف بحياته !
يجب أن يتحرك وبسرعة ليغادر دائرة الاهتمام المدوخة والمستهلكة لجميع طاقاته والمدمرة لنفسيته , وينتقل فورا إلى دائرة التأثير , ولكي ينجح في فعل ذلك عليه أن يسأل نفسه الأسئلة التالية:
- ما هي الأمور التي أستطيع تغييرها لكي يتحسن الوضع ؟
- ما هي حدود إمكانياتي التي أستطيع حشدها لإحداث التغيير المطلوب ؟
- من أين أبدأ .. ما هي الأولويات ؟
- كيف أفعل ذلك , وبمن سوف أستعين ؟
- إلى أي مدى ستتحسن الحياة إن فعلت ذلك ؟
- إن كان التغيير غير ممكن حاليا فما هي البدائل التي تجعلني أعيش بطريقة أفضل , بعيدا عن التألم في دائرة الاهتمام السلبي.
اختبر نفسك :
من الملاحظ أنه يوجد كثير من الناس ممن يعيشون مسحوقين , ومتوترين , ومهدرين لطاقاتهم في دائرة الاهتمام , ويظنون بأنهم يحسنون صنعا !
إنهم لا يدركون بأن اهتمامهم الخالي من الفاعلية هو سبب شقائهم وأرقهم الدائم ؛ لذا فإن مجرد الفهم لأبعاد الموقف , ورفع الوعي بالفارق بين الاهتمام والتأثير سيجعل كل واحد منا يخطو خطوات لتحسين نوعية الحياة , وذلك بضخ جميع طاقاته في دائرة التأثير بدلا من دائرة الاهتمام .
ولكي تكتشف أين تقف حيال هموم الحياة ؛ هل في دائرة الاهتمام أم في دائرة التأثير ؟؟ اعرف ذلك من خلال طريقة ستيفن كوفي في مراقبة لغتك ؛ فإن كانت لغتك لغة رد الفعل , وهي مليئة بعبارات اللوم والاتهام وتتسم بالانفعال فأنت غارق في دائرة الاهتمام .
أما إن كانت عباراتك خالية مما سبق , وكنت مبادرا في سلوكك حيال الهموم والأزمات , وكنت مسؤولا عن حياتك فأنت تعيش في سعة دائرة التأثير ..
أخيرا :
كم هو مدهش أن تعرف أنه يمكنك إحداث تغيير كبير بمجرد مراقبة لغتك ؛ فإن توقفت عن اللوم واتهام الآخرين وتعلمت أن تبادر ولو بأبسط فعل إيجابي فسوف تتحرر من دائرة الاهتمام رويدا ..رويدا ..